لقد أوردت، في الصفحات السابقة، بعض الأشياء التي تخصّ طفولتي بما فيها من شقاء، تحت عنوان “والآن أتذكّر”، أي أنّ الذكريات تعود إلى زمن قديم جداً، واخترت عنواناً لها “أشياء من ذكريات طفولتي”. وفي هذه الطفولة، ثم المراهقة، إلى الشباب وإستواء الرجولة، أشياء أخرى، لا تقلّ أهمِّيّة عمّا سبق من شقاء، لا زمني مدى عمري، وقد قلت في الوصيّة التي نشرتها، وكان لها صدى عالمي، إنّني منذور للشقاء، وإنّني أبصرت هذا الشقاء منذ أبصرت النور، وفي قلب هذا الشقاء حاربت الشقاء وانتصرت عليه، وأُضيف أنّ حياتي المنذورة لديّ، في سبيل الفقراء والبؤساء والمعذّبين في الأرض، قد وهبتها جسدي، الذي أضنته السجون الطوال، والمنافي المماثلة طولاً، حتى صرت في العمر الذي وهن فيه الجسد، أو ما في الآية الكريمة ومنهم، أي من الناس، “من يُردّ إلى أرذل العمر”؛ وأنا إنسان من الناس، ولأنني رُددت إلى أرذل العمر، فإنّني أتابع بالقلم بعد عجز الجسد الآن.
لذلك أرغب، أو أنّ قرّائي رغبوا، كما كتبوا إليّ مرّات عديدة، ولا أخفي عنهم شيئاً، أن أُضيف ما أنا فيه الآن، إلى ما كنت فيه سابقاً، لأنّ التاريخ حلقات متّصلة، والإنسان ابن تاريخه الإجتماعي ولأنّ تاريخي، في الزمن الردي، هذا، لا يقلّ رداءة عمّا يمضي، فإنّني أتابع، بشيءٍ من الصراحة والوفاء، رواية ما أُلاقي من عناء، وقد أبيضّ الشعر، واحدودب الظهر… في صفحات تبدو منفصلة، لكنّها، في الحقيقة متّصلة، يراني قرّائي فيها راهناً، كما كنت سابقاً!