تخبرنا رواية «أغنية النار»، للكاتبة السودانية بثينة خضر مكي، منذ البدايات، عن موت محمود كمال الدين الذي مات في السعودية، إذ سمعت بالخبر عبر المذياع الصغير الموجود بجانب سريرها. وسيصل الجثمان في الساعة الثالثة مساء، وعند ذلك شبكت كفيها فوق رأسها، ثم انبثق الدمع شلالاً ينفجر، ساخناً، أخذت تبكي وتنوح، وهي تحاول عبثاً كتمان صوت نشيجها.
هي متزوّجة وزوجها في مأمورية عسكرية، وأمّها نائمة في «الفرندة» المطلة على الحوش، والخدم ينامون في غرف بعيدة عن المبنى الداخلي. وواضح أنها لا تنجب، فمنذ الصفحات الأولى تضعنا الكاتبة أمام هذه القصة، أو أنّ الحكاية كلّها تدور على عدم إنجابها، فزوجها «صار يكثر من التلميح إلى مسألة عدم إنجابها في الفترة الأخيرة. كان فيما مضى يعرفها بالهدايا والعطور والأثواب الجميلة..
لكنّه بعد حضورها إلى لندن أصبح مقتراً عليها، يعتذر دائماً بأنه خسر كثيراً في العملية الجراحية التي أجريت لها، وكان الطبيب صريحاً معها : إنّ نسبة نجاح العملية ضئيلة جداً، لكنها تشبثت بالأمل الضئيل وقررت عمل الجراحة على أمل أن تنتهي سنوات من الانتظار اليائس».
وقبل ذهابها إلى لندن لإجراء العملية جرت عدة محاولات فاشلة في بلدها لإثبات أنها تنجب، لم تنجح هذه المحاولات، فاتجهت إلى العزلة والعزوف عن المعارف والأصدقاء، واتجاهها للقراءات الواسعة، قوّى في نفسها شهوة الكتابة، فبدأت بها. لكن ذكرياتها مع محمود هي ذكريات عنيفة وقاسية.