يلجم ظاعن فاه، ولا يملك ما يفوه به لسانه. غلالة سوداء حجبت عنه الرؤية، ويتقهقر راجعاً إلى الوراء مكسوراً، وينظر إلى ميثاء التي كفّت عن النظر إليه، متحاشية نظراته المعاتبة، ولبث مصوّباً نظراته إليها وكأنّه يريد أن يقول أنت التي جفّفت منابع العاطفة لدى عليٍّ، أنت التي صنعت منه تمثالاً شمعيّاً جامداً، ثم يغادر البيت، تجلده حسرة الندم، يمضي بالسيّارة إلى حيث جاء كما قال عليٌّ؛ لأنّه فهم أنّه لا معنى لإعادة جبر الإناء المكسور، مضى في الطريق متهاوياً، تلطمه مشاعر الفقدان على وجهه، فلا يرى أمامه سوى شارع فسيح، يمتدّ بامتداد البصر ولا نهاية له، كما لا نهاية لأحزانه، متيقّناً أنّ في البيت الآخر تنتظره أخرى، لكي تسمعه صوتها المبحوح، وتريه دموعها المنهمرة مثل السيل الجارف، وما بين البيتين تمتدّ مسافة شاسعة من الأحزان والقلب المفجوع، والآمال الذائبة في موقد الحرقات التاريخيّة.