عندما يلتقي الروائي بنفسه في فضاء الكتابة, يبعث نفسه من جديد, وكأنه يحيي الماضي بجرة قلم, كأن يعيد تشكيل الأحداث بصوره المتخيلة, ويخلق نفسه في صورته القديمة بالكلمات وعلى الأوراق, فتخوض نفسه الجديدة في اتحادها المدهش مع نفسه القديمة تجربة التخييل, إعادة الأحداث من الرماد كما تُبعث طيور الفينيق الأسطورية من رمادها لمرة أخرى بل ومرات عديدة, فيحاول الإفلات من رقابة وفداحة الواقع بأن يصنع خيالا موازيا أكثر فداحة وألما.
يقول هنري فورد:”إن التفكير هو أصعب الأعمال وهذا هو السبب في أن قليلين يختارونه كعمل” في عالم عمرو الجندي, يتجدد الفكر أو يبعث, كأنك تراه وتواجهه لأول مرة, بصوره النقية المجردة والمريرة في رحلته المرهقة ونزاعه مع الشياطين, حيث تتطاير الأفكار والأوراق وتحترق أمام لذوعة الحقيقة وحرارتها المضطرمة في بلاد تعج بالجهال والسفلة والذين خصصوا العزلة كإقامة جبرية لهم بل ووضعوا قوانينها وشيدوا سجونها, آه .. كم هو بارع في المنازلة, يلقي بأغوار نفسه وأسراره على الملأ, دون خجل أو حتى خوف, في نفسه يعرف تماما بأن صناعة الفكر تستلزم ورقة وسيفا وخوض معركة وما أكثر المعارك التي أريقت فيها الأفكار والأحلام والدماء.
يقول في رسالته: قالوا الجميع ضدك, فقلت وأنا ضد الجميع. الحرية الفكرية للجميع أو لا شيء على الإطلاق.